أضف للمفضلة
بحث متقدم 
حكومة وحدة وطنية في فلسطين
11/09/2006 | الصراع العربي الإسرائيلي | الإتحاد
روابط ذات صلة
31/05/2022
«عسكرة» التفاعلات الدولية  
24/05/2022
ليبيا: خطوة للأمام أم حلقة مفرغة؟  
14/05/2022
خليفة.. مسيرة عطاء شامل  
10/05/2022
الطاقة والصراع العالمي في أوكرانيا  
03/05/2022
العقوبات وإدارة الصراع في أوكرانيا  
   

دعيت لحلقة نقاشية مغلقة حول "كيفية التوصل إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية في فلسطين"، وفي إطار الجدل الدائر حول هذا الموضوع طُلب مني التحدث في البداية فرحبت، إذ اعتقدت أن طبيعة ما لدي من أفكار في هذا الصدد تزكي أن يكون الإدلاء بها في بداية النقاش وليس في نهايته أو حتى منتصفه. ذلك أنني أردت أن أسجل تحفظي أصلاً على فكرة "الحكومة الفلسطينية" في حد ذاتها. وقد يبدو هذا غريباً، غير أن مبعث هذا التحفظ مستمد من خبرة حركات التحرر الوطني المعاصرة، والتي لم تتول فيها حركات المقاومة السلطة إلا بعد التحرير. أما قبله فوظيفتها الوحيدة هي قيادة المقاومة ضد الاحتلال بغض النظر عن أساليب هذه المقاومة التي قد تكون عسكرية أو اقتصادية أو سياسية... إلخ. أما أن تنتقل المقاومة إلى مواقع السلطة في ظل الاحتلال فهذا أمر لم تألفه حركات التحرير تلك، لأن منطق المقاومة يتعارض مع منطق السلطة الذي يضعها تحت رحمة قوات الاحتلال، ناهيك عن وجود مشاريع للتسوية السلمية، وهو أمر بديهي لأن الاحتلال لا يمكن أن يسمح بوجود سلطة في رحابه تنوي استخدام أساليب النضال العسكري ضده.

في ظل هذا الوضع الذي تفردت به حركة التحرير الوطني الفلسطينية، تولت "فتح" مقاليد الحكم بعد بدء تطبيق اتفاقات "أوسلو"، فانتُخِب قائدها رئيساً للسلطة الوطنية الفلسطينية وحصلت على أغلبية المقاعد في المجلس التشريعي في أول انتخابات أجريت، واختير وزراء السلطة من الحركة نفسها بطبيعة الحال. وهكذا تراجع الدور المقاوم لـ"فتح" على أمل أن تحقق عملية التسوية ما كان النضال العسكري يهدف إلى تحقيقه، وهو ما لم يحدث طبعاً، إذ أن توجهات الكيان الصهيوني ما زالت بعيدة عن فكرة التسوية المتوازنة، ومع ذلك لم يؤد هذا إلى أي رغبة في مراجعة الذات من قبل "فتح". وغرقت "فتح" في مشاكل الدولة عامة والدولة القطرية العربية خاصة، وحاصرتها اتهامات قصور الأداء والفساد، وتحوَّلَ معظم مناضليها إلى جنود أمن وأجهزة استخبارات داخلية. وفي هذا الإطار برز دور فصائل مقاومة على رأسها "حركة المقاومة الإسلامية" (حماس) التي أخذت تكتسب شعبية أكبر لدورها المقاوم وكذلك لأنشطتها الخدمية والإجتماعية في أوساط الشعب الفلسطيني ولهجومها الضاري على مظاهر الفساد في السلطة القائمة. وفي هذا السياق فازت "حماس" بالانتخابات التشريعية، في فبراير 2006، بأغلبية كبيرة، لتعيد إنتاج المعضلة ذاتها: ما الذي يمكن لقوة مقاومة أن تفعله في سلطة تتولاها في ظل الاحتلال خاصة وقد أصبحت هدفًا سهلاً لقواته، بدليل عشرات من رموزها، بمن فيهم وزراء ونواب وقادة يتولون مناصب رفيعة، قد تعرضوا للاختطاف على أيدي إسرائيل، ناهيك عن الحصار الخارجي لـ"حماس" والذي استهدف إظهارها بمظهر الحركة العاجزة عن القيام بمسؤولياتها تجاه شعبها، تمهيدا لإسقاطها، إضافة إلى الحصار الداخلي الذي يتواصل لتحقيق الهدف نفسه. وقد توقفت طويلاً عند الإضراب الأخير للموظفين الفلسطينيين وسألت نفسي عن مدى القسوة التي يمكن أن يحكم بها التاريخ على من نفذوا هذا الإضراب بهذه الطريقة. لا شك أن الإضراب حق ديمقراطي، وأن الضائقة الاقتصادية للفلسطينيين تفوق احتمال البشر، غير أن العدو ليس حكومة "حماس" التي انتخبتها أغلبية كبيرة من الشعب الفلسطيني، وإنما هم مدبرو الحصار ورعاته في الخارج وأنصارهم في الداخل، ولو كان المضربون قد نفذوا إضرابا رمزيا أو حتى غير رمزي ضد الإدارة الأميركية التي قادت عملية الحصار الاقتصادي باقتدار بالغ وضد إسرائيل التي لعبت الدور الأهم فيه بحرمان الحكومة الفلسطينية من عائدات الجمارك، لأصبح الأمر مفهوما وأكثر جدوى.

على أية حال لنفترض خطأ التحليل السابق كله، أو على الأقل لنقل إنه موضع خلاف، ثم نصل إلى السؤال: هل تأليف حكومة وحدة وطنية، هو أمر ممكن في ظل الظروف السائدة؟ أخشى أن أجيب بالنفي، فقد بلغ عدم الثقة بين الطرفين حداً يصعب معه توقع نجاح مساعي تأليف حكومة وحدة وطنية في فلسطين أو استمرار هذه الحكومة بفرض إمكان تأليفها. ويكفي القول بأن ثمة دوائر في "حماس" تفسر سلوك "فتح" تجاهها منذ الفوز بالأغلبية في الانتخابات التشريعية التي جرت في مطلع العام الحالي وحتى الآن، بالرغبة الصريحة في إسقاط الحكومة الحالية؛ بدءا من رفض المشاركة معها في حكومة الوحدة الوطنية التي اقترحتها "حماس" عند فوزها، مرورا بالضغط على الفصائل الأخرى كي لا تشارك في مثل هذه الحكومة، وانتهاءً بالتحريض على الإضراب الحالي في فلسطين لكي تبدو الحكومة بمظهر العاجز.

ولنفترض أخيراً أن تأليف حكومة الوحدة الوطنية ممكن في فلسطين، فهل هو مجدٍ حقاً؟ أخشى أيضاً أن رؤية الطرفين لبرنامج الحكومة- إن أصاب النجاح محاولات تشكيلها- تبدو متناقضة، فالإخوة في "فتح" يصرون على أن يكون برنامج الحكومة هو البرنامج الذي وافقت عليه "فتح" كنهج للتسوية منذ ما قبل أوسلو وحتى الآن، وكأن كل هذه السنوات لم تمض دون أدنى تقدم ولو لخطوة واحدة في الطريق إلى تحقيق الأهداف الوطنية للشعب الفلسطيني ولو في حدها الأدنى، ويعني هذا أن برنامج حكومة الوحدة الوطنية في فلسطين لا يمكن أن يخلو من تبني نهج المقاومة في مواجهة الإخفاق البنيوي لمحاولات التسوية السابقة. أما الأخوة في "حماس" فيصرون حتى الآن على عدم إبداء أي مرونة، ولو من قبيل التكتيك، فيما يتعلق بوثائق التسوية- إذا جاز التعبير- ومن ضمنها "المبادرة العربية" التي يستطيعون إعلان قبولهم لها وفق قراءة محددة لهذه المبادرة تربطها بالشرعية الدولية بمفهومها الشامل دون أن يتضمن ذلك أي تنازل عن الثوابت الوطنية الفلسطينية، ذلك أن مثل هذه النظرة من شأنها أن تربك الأطراف الدولية المعادية للعرب والفلسطينيين ناهيك عن إرباكها لإسرائيل التي ستصرح دوائر "حماس"– إن هي قبلت المبادرة العربية وفق الضوابط السابقة- بأنها في انتظار رد إيجابي تفصيلي بجدول زمني محدد من إسرائيل، وهو ما لن تفعله الأخيرة بطبيعة الحال، والأهم من ذلك أن إسرائيل لن تقبل المبادرة العربية أصلاً لأنها– على ما فيها من ثغرات وعيوب- تشكل الحد الأدنى المقبول رسمياً لاسترداد الحقوق الفلسطينية.

الخلاصة إذن أنه جنباً إلى جنب مع التفكير في حكومة وحدة وطنية، يتعين علينا أن نناقش "فكرة الحكومة" أصلاً في بلد ما زال يرزح تحت نير الاحتلال، وهل ما زالت هذه الفكرة مجدية بعد مرور أكثر من عقد من الزمان على التجربة؟ وإذا وقع الإصرار على تأليف حكومة وحدة وطنية فإن الأمر المؤلم أن شروط قبول تأليفها لا تبدو متوفرة حتى الآن، وإذا حدث يوماً ونجحت هذه المساعي، فإن برنامج الحكومة لا يمكن أن يكون "برنامج تسوية" فقط؛ لأن مآله الفشل بالتأكيد وفي أقرب الآجال، ومن ثم لابد أن يُضاف إلى ذلك الخيار خيار المقاومة بشتى صورها وأشكالها.

أعلى الصفحة
تعليقات القراء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها
أضف تعليقك
الاسم:
 
البريد الإلكتروني:
 
التعليق:
 
 
 
الأكثر تعليقاً   الأكثر قراءة
رمال شارون المتحركة
21/06/2004  
الانتخابات البرلمانية وموقعها من الصراع على هوية العراق ومستقبله
25/02/2010  
قمة سرت: التقدم إلى الخلف
31/03/2010  
مصادر أخري
الثابت والمتغير في العلاقات الروسية-الإسرائيلية(٢/٢)
19/05/2022  
الثابت والمتغير في العلاقات الروسية-الإسرائيلية(٢/١)
12/05/2022  
المزيد
الإتحاد
«عسكرة» التفاعلات الدولية
31/05/2022  
ليبيا: خطوة للأمام أم حلقة مفرغة؟
24/05/2022  
المزيد
الشروق
«أقراص الطعمية» فى علاقات مصر القطرية
25/04/2013  
العلاقات المصرية بحماس
18/04/2013  
المزيد
جميع الحقوق محفوظة © د. أحمد يوسف أحمد