إشكاليات ما بعد الاتفاق بين حزب الله وإسرائيل
|
23/08/2008
| أخري
| مصادر أخري
|
|
أضاف الاتفاق الذي وضع موضع التنفيذ بين حزب الله وإسرائيل في السادس عشر من شهر يوليو/تموز2008 إلى رصيد الحزب، دون شك، لبنانياً وعربياً وإسلامياً، فقد أثبت من ناحية قدرته على تحقيق أهدافه بالمقارنة مع عجز، أو على الأقل، ارتباك إسرائيلي واضح، وبدا من ناحية أخرى صاحب دور لبناني وعربي جامع بنجاحه ليس فقط في تحرير الأسرى اللبنانيين بغض النظر عن طائفتهم، وإنما في استعادة رفات العشرات من الشهداء العرب الذين سقطوا في المواجهات مع إسرائيل، ولعل في هذا الإنجاز ما يعوض الحزب عن الضرر الذي لحق به سياسياً في شهر مايو/أيار الماضي عندما نزل مسلحوه إلى شوارع بيروت الغربية وكشفوا عن ميزان القوى الحقيقي في لبنان، وحصلوا من ثَّم على ما يرضيهم في اتفاق الدوحة. غير أن الاتفاق ليس حدثاً ساكناً بطبيعة الحال، وإنما من الضروري أن تكون له تداعياته على الساحات المختلفة؛ فوفقاً لنموذج تحليل النظم، سوف يولد هذا الاتفاق تداعيات جديدة في دوائر تحركه، تنتج عنها مؤثرات جديدة على القرارات في لبنان والمنطقة كلها. ونناقش فيما يلي بعضاً من هذه التداعيات على الساحات اللبنانية والعربية والإقليمية. على الصعيد اللبناني، لا شك في أن الاتفاق قد ولَّد أجواءً إيجابية باتجاه مصالحة وطنية شاملة في لبنان، تشهد عليها الاستقبالات الرسمية التي شارك فيها الجميع، وكلمات الغزل غير المتوقعة بين ممثل حزب الله ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط لدى الاحتفال بوصول عميد الأسرى اللبنانيين سمير القنطار إلى بلدته بالجبل، غير أن المرء يجد نفسه غير مستريح للتبسيط المفرط للأمور فيما يتعلق بإمكان التوصل إلى مصالحة وطنية راسخة في لبنان. يؤيد ذلك ما لوحظ من أن أجواء المصالحة بدت "فوقية" بمعنى أنها انسحبت على القيادات دون الجماهير الموالية لهذه القيادات، تشهد بذلك المشاركة الشعبية الضعيفة في احتفالات عودة الأسرى ورفات الشهداء من قبل القوى التي كانت تناوئ حزب الله في السابق، وهتافات الجماهير العفوية المنتمية إلى ألوان سياسية مختلفة وإن جمعها الحدث الوطني المهم، وقد ذكرت تقارير موثوق بها أنها على الأقل لم تكن تعكس ما بدا من أجواء بالغة الإيجابية بين خصوم الأمس، والواقع أن هذا ليس بغريب إذا تذكرنا سنوات الحشد الإعلامي الذي أدى إلى استقطاب سياسي حقيقي في لبنان. غير أن الإشكالية الأهم على الصعيد اللبناني تتعلق ببناء الدولة ذات المؤسسات القوية الفاعلة، ويروق للبعض أن يختزل هذه الإشكالية في قضية سلاح حزب الله، وهي لا شك من أهم القضايا في عملية بناء الدولة الحديثة في لبنان، غير أنها بالتأكيد ليست القضية الوحيدة المهمة؛ فالدولة اللبنانية تبدو في كثير من الأحيان مجرد تجمع لطوائف يحكمها ميزان للقوى، ويحاول كل منها أن يحسن وضعه في اللعبة السياسية، وهو أبعد ما يكون عن مفهوم الدولة الحديثة التي ينتمي إليها المواطن مباشرة فيتحمل التزاماته تجاهها ويحصل على حقوقه منها بغض النظر عن الطائفة أو العرق، وقد كان امتداد الأزمة اللبنانية مناسبة للتأكد من تحكم قلة من الأشخاص -كثير منهم يشبهون أمراء الإقطاع في العصور الوسطى- في مسار السياسة اللبنانية سواء لمصلحة الوطن أو لمصلحة غيره، وإذا كانت عملية بناء الدولة الحديثة بالمعنى السابق في لبنان تبدو بعيدة المنال في الأجلين القصير والمتوسط؛ فإنها تبقى حلماً لكل من يريد لهذه التركيبة الإنسانية الفريدة في لبنان أن تجد لنفسها إطاراً حديثاً يعززها بعيداً عن مفهوم الطائفة أو سطوة أمراء الإقطاع. لكن قضية حزب الله وسلاحه وموقعه من الدولة اللبنانية تبقى دون شك قضية عاجلة، ولا يملك المرء سوى أن يشعر بكثير من القلق عندما يجد بعض الساسة اللبنانيين يبسطون المسألة على نحو مخل،؛ فثَّمة حاجة إلى استراتيجية دفاعية لبنانية، وعندما يتم التوصل إليها تنتفي الحاجة إلى سلاح حزب الله، وظني أن المسألة ليست بهذه البساطة: أولاً لأن الحوار حول الاستراتيجية الدفاعية اللبنانية لن يكون حواراً يسيراً كونه يتم بين أطراف لها توجهاتها المختلفة بشأن تهديدات الأمن اللبناني وسبل مواجهتها، وثانياً لأنني لا أتصور أن يتخلى حزب الله ببساطة عن قوته العسكرية التي أثبتت فعاليتها سواء في مواجهة إسرائيل أو في "وأد الفتنة" في لبنان، وقد يتم التوصل لاحقاً إلى صيغة تزيد من دور حزب الله بشكل أو بآخر في المؤسسة العسكرية اللبنانية، أو تحتفظ بقوته العسكرية مستقلة كما هي الحال في بلاد أخرى مع ضمانات صارمة وحقيقية لعدم توظيف هذه القوة سياسياً في تغيير المعادلة اللبنانية، وإن كان من المفهوم أنها سوف تكون رادعاً لكل من تسول له نفسه المساس بحزب الله. على الصعيد العربي/الإقليمي، لا شك في أن إنجاز الاتفاق بين حزب الله وإسرائيل وأجواء المصالحة التي رافقت وضعه موضع التطبيق سوف تكون مؤثرة في صراع العرب مع إسرائيل؛ فحماس أولاً سوف تشعر بمزيد من الاقتدار السياسي في مفاوضاتها مع إسرائيل لاستعادة جنديها الأسير، وسوف تتولد ثانياً ضغوط باتجاه إنجاز مصالحة حقيقية بين الأطراف الفلسطينية على غرار المصالحة اللبنانية، وإن كان يوجد، هنا أيضاً، تناقض موضوعي بين البرنامج السياسي لحماس ومثيله في فتح، والمهم أن يدرك الطرفان أن ثمة حاجة ملحة إلى مشروع وطني وليس إلى اقتتال وطني بين الفصائل التي يفترض أن منطق وجودها هو إنجاز مهمة التحرير وليس الدخول في صراع مع رفقاء السلاح، وسوف تكون هناك من ناحية ثالثة ضغوط حقيقية على أنصار نهج "مفاوضات إلى الأبد" كي يراجعوا أنفسهم ويشاركوا في جهد فلسطيني وعربي حقيقي للتوصل إلى استراتيجية جديدة لاستعادة الحقوق من إسرائيل بعد أن ثبت عقم النهج التفاوضي الراهن. تبقى الإشكالية الأخيرة على الصعيد الإقليمي وهي موقع إيران من كل ما جرى ويجري، فلا شك في أن حزب الله كما سبقت الإشارة قد استفاد كثيراً من اتفاق تبادل الأسرى ورفات الشهداء، لكن إيران كانت فاعلاً رئيسياً في هذا الإنجاز بحكم علاقتها بحزب الله، وهي علاقة يعتز الحزب بها ويفخر، وهو ما ينعكس رمزياً بوضوح بالغ في القسم العسكري الذي ردده قائد المجموعة التي شاركت في الاحتفال بعودة الأسرى ورفات الشهداء: "عهداً لك يا خميني.. نبايعك يا خامنئي". إذن سوف نخدع أنفسنا كثيراً لو تصورنا أن ما حدث مجرد إنجاز لبناني أو عربي؛ فإيران حاضرة في لبنان وغيرها على نحو ما يعلم الجميع، والمعضلة أن المشروع الإقليمي لإيران يتقاطع أحياناً مع المصالح العربية لكنه بالتأكيد يتصادم معها أحياناً أخرى، ولذلك فإن حواراً عربياً-عربياً حول "العلاقة مع إيران" ينبغي أن يشغل بال كل من يهتم بمستقبل النظام العربي. كان الاتفاق بين حزب الله وإسرائيل إنجازاً لافتاً إذن في وقت تآكلت فيه قدرة العرب على الإنجاز، لكنه كما رأينا ليس نهاية المطاف، فثمة ملفات مهمة تبقى في انتظار الحسم، ومن المفيد لنا أن نتعامل معها بالجدية نفسها التي تعامل بها حزب الله مع قضية الأسرى ورفات الشهداء.
|
أعلى الصفحة
|
تعليقات القراء
|
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها
|
|
|
|
|