أضف للمفضلة
بحث متقدم 
الطريق إلى "لا" عربية
21/09/2004 | الملف العراقي | الإتحاد
روابط ذات صلة
31/05/2022
«عسكرة» التفاعلات الدولية  
24/05/2022
ليبيا: خطوة للأمام أم حلقة مفرغة؟  
14/05/2022
خليفة.. مسيرة عطاء شامل  
10/05/2022
الطاقة والصراع العالمي في أوكرانيا  
03/05/2022
العقوبات وإدارة الصراع في أوكرانيا  
   

عندما قامت القوات الأميركية منذ ما يزيد على الأسبوع بعملية عسكرية واسعة النطاق في منطقة "تلعفر" بالقرب من الحدود العراقية- السورية بدعوى ملاحقة متسللين، جاء رد الفعل التركي سريعاً. والسبب في هذا كما هو واضح أن العملية العسكرية الأميركية أدت إلى مقتل عدد من سكان المنطقة من التركمان العراقيين الذين تعتبر تركيا نفسها حامية لمصالحهم. نُقل عن وزير الخارجية التركي عبدالله جول قوله لمحطة" سي. إن. إن" إن بلاده ستوقف تعاونها مع الولايات المتحدة فيما يخص الشأن العراقي في حال واصلت واشنطن عملياتها العسكرية في "تلعفر"، ومن ناحية أخرى نقلت وكالة أنباء الأناضول عن "جول" قوله:"تحدثت شخصياً مع وزير الخارجية الأميركي. وأعربنا بوضوح تام عن أنه إذا استمر (الهجوم) فستنهي تركيا شراكتها على كل الأصعدة التي تمس العراق".
أخذت أتأمل في رد الفعل الذي يدعو إلى الاحترام، فها هي تركيا الدولة الأطلسية أي المرتبطة بتحالف عسكري تقوده الولايات المتحدة - ومن ثم صاحبة المصالح الأكيدة مع هذه الدولة العظمى- تقول لا للتصرفات الأميركية العشوائية في العراق، وكانت من قبل قد رفضت في مارس 2003 من خلال مؤسسات نظامها السياسي أن تكون معبراً للقوات البرية الأميركية للهجوم على العراق. لاحظت أيضاً أنه ليس ثمة وجه للمقارنة على الإطلاق بين "العدد" الذي لقي حتفه من التركمان العراقيين من جراء الغارات الأميركية والعشرات الذين يُستشهدون يومياً كنتيجة للقصف الأميركي للفلوجة وغيرها. ولاحظت كذلك رد الفعل الذي لم يكن رداً أحمق يهدد بعظائم الأمور وإنما جاء محسوباً بكل دقة: إن واصلتم نهجكم الذي يلحق الضرر بمن نعتبرهم في حمايتنا فسوف نتوقف عن المشاركة معكم في هذه اللعبة السخيفة، ومعنى هذا أن المطالبة بالاعتراض على السياسة الأميركية لا تساوي بالضرورة إلقاء النفس في التهلكة.
وخلاصة ما سبق أن قولة "لا" للإدارة الأميركية ممكنة، قالها، من قبل تركيا، شعب أسبانيا حين أسقط في الانتخابات البرلمانية التي جرت في مارس الماضي حكومته المتحالفة مع تلك الإدارة، وأتى بحكومة سحبت القوات الأسبانية من العراق على عجل وإلى غير رجعة، وتبنت خطاً مستقلاً عن الإدارة الأميركية في سياستها تجاه المنطقة، وقالتها كذلك من قبل الفليبين حين سحبت قواتها من العراق بعد أن تعرض أحد أبنائها فيه للاختطاف، وقالها الشعب الفنزويلي في الاستفتاء على بقاء الرئيس "شافيز" أو رحيله حين صوت في الخامس عشر من أغسطس الماضي على بقاء رئيسه "نصير الفقراء" في ظل حضور دولي شهد بنزاهة عملية الاستفتاء واستجابت الحكومة الفنزويلية لكل ما طلبته المعارضة من مراجعات بما أدى في النهاية إلى التسليم بنتيجة الاستفتاء على عكس ما كانت تشتهي الإدارة الأميركية التي كانت لا تروق لها استقلالية "شافيز". وقالتها عدة دول في أميركا اللاتينية آخرها كوستاريكا التي أعلنت وزارة خارجيتها منذ أيام قلائل أن بلادها أبلغت الولايات المتحدة أول من أمس بانسحابها من لائحة الدول الداعمة للتدخل الأميركي في العراق بعد أن أمرت بذلك المحكمة العليا في كوستاريكا. وكان رئيس كوستاريكا قد قرر إدخال بلاده في التحالف الداعم لاجتياح العراق في مارس 2003 مثيراً بذلك في حينه موجة من الاستنكار الداخلي انتهت كما هو واضح بحكم قاطع للمحكمة العليا يضع نهاية لتلك الرابطة. وأخيراً وليس آخر قالتها كرواتيا برفضها طلباً للرئيس الأميركي بإرسال قوات للعراق.
تذكرت هذا كله وتأملت في معناه وغالبني شعور بالألم والخجل معاً، فالدول السابقة وغيرها تمثل شرائح متنوعة من الدول الأعضاء في النظام الدولي منها دول متقدمة يمكن أن تُصنف بشيء من المرونة في شريحة الدول الكبرى كأسبانيا، ومنها دول ذات دور إقليمي مهم كتركيا وعادي كالفليبين، ومنها دول صغيرة ككوستاريكا. ونحن العرب لدينا دول ذات أدوار إقليمية تغضب كثيراً إذا تحدث أحد عن تراجعها، ودول عادية ودول صغيرة، لكن أحداً لم يلتفت في أي وقت من الأوقات إلى عشرات الشهداء الذين يسقطون يومياً من جراء الغارات الأميركية العشوائية في العراق والتي تتم بدعوى ملاحقة "الإرهاب" أو "الزرقاوي" أو أي هدف تزعمه أو تتخيله قيادة الاحتلال لكي نكتشف بعدها مباشرة أن شهداء الغارات أناس عاديون يضمون أطفالاً وشيوخاً ونساءً وغيرهم ممن لا ذنب لهم، إلا أن قيادة احتلال العراق قررت أنهم إرهابيون بالطريقة نفسها التي قررت بها من قبل أن بلدهم وكر لأسلحة الدمار الشامل فغزته.
في مقابل هذا كله لم يُسمع رد فعل عربي واحد للقتل المستمر لأبناء الشعب العراقي، مع أن دروب الفعل كثيرة، وكان من الممكن أن يتحدث البعض عن إدانته لسقوط مدنيين أبرياء في عمليات القصف- هكذا دون إدانة أو شجب أو تنديد أو حتى تحديد للجهة القائمة بالقصف، وكان من الممكن كذلك أن يتحدث البعض الآخر عن القلق بسبب الإفراط في استخدام القوة المسلحة في مواجهة الموقف المتدهور في العراق، وغير ذلك الكثير من المواقف اللفظية التي لا تغني ولا تسمن من جوع لكنها على الأقل تفيد بوجود بعض النبض في الجسد المسجى بلا حراك، وذلك دون أن نتحدث عن مواقف الانتقاد للسياسة الأمريكية الراهنة والاختلاف معها، ناهيك عن رفضها.
وهكذا لم تجد الدول العربية في مجلسها الوزاري الأخير الذي انعقد في الرابع عشر من هذا الشهر تحت مظلة الجامعة العربية في التعبير عن موقفها من هذا البعد من أبعاد المسألة العراقية سوى أن تدين "جميع أعمال الإرهاب في العراق التي تستهدف المدنيين ورجال الأمن والشرطة العراقية والمؤسسات السياسية والمدنية وأعمال الخطف التي تقوم بها المنظمات الإرهابية، خاصة اختطاف المدنيين العاملين في الشركات الأجنبية التي تعمل لإعادة إعمار العراق والعاملين في المنظمات الدولية الإنسانية وموظفي البعثات الدبلوماسية والصحفيين". ولا بأس بهذا كله بطبيعة الحال، ولا بأس أيضًا من عدم ذكر حرف واحد عن حق الشعب العراقي في مقاومة الاحتلال طالما أن الحكومة العراقية المؤقتة هي التي تمثل العراق في الجامعة العربية فلا يمكن أن يصدر قرار يوافق على مقاومة أوضاع تحتضنها وترعاها، لكن المخيف في هذا الجزء من البيان ما يبدو من أن الدول العربية تحنو على الأجانب في العراق فتدين اختطافهم وتهتم بكل من يسقطون ضحايا للعمليات الإرهابية، لكنها لا تذكر بحرف واحد شهداء القصف الأمريكي.
ما الذي أوصلنا يا ترى إلى حال كهذا؟ يقول غيرنا "لا" حاسمة أو مهذبة للسياسة الأمريكية الراهنة ولا نفعل، وتتصاعد حدة النقد لهذه السياسة في الساحة الأمريكية نفسها من مؤسسات وأفراد لهم مكانتهم واحترامهم فنغض البصر عن هذا كله، بل ويؤكد الأمين العام للأمم المتحدة على لا شرعية الحرب ضد العراق فلا نحرك ساكنًا. حاولت أن أبحث عن السبب في عنصر "القوة" فوجدت أن من قالوا لا للسياسة الأمريكية أقوى منا أحيانًا، ويماثلوننا في القوة في أحيان أخرى، وأضعف منا بكثير في أحيان ثالثة. لم أجد في الواقع سمة مشتركة بين الذين قالوا "لا" سوى أنهم جميعًا يعيشون في ظل نظم ديمقراطية، وهي لهذه الصفة لا تحتاج دعماً لشرعيتها من الخارج، ولا تخشى على نفسها مغبة التدخل الخارجي للتلاعب –إن لم يكن- الإطاحة بها. ازداد حزني وألمي وإن كان عزائي أن طريق الخلاص العربي بات أكثر وضوحًا وأن خيارات المستقبل صارت أكثر تبلورًا.     

أعلى الصفحة
تعليقات القراء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها
أضف تعليقك
الاسم:
 
البريد الإلكتروني:
 
التعليق:
 
 
 
الأكثر تعليقاً   الأكثر قراءة
رمال شارون المتحركة
21/06/2004  
الانتخابات البرلمانية وموقعها من الصراع على هوية العراق ومستقبله
25/02/2010  
قمة سرت: التقدم إلى الخلف
31/03/2010  
مصادر أخري
الثابت والمتغير في العلاقات الروسية-الإسرائيلية(٢/٢)
19/05/2022  
الثابت والمتغير في العلاقات الروسية-الإسرائيلية(٢/١)
12/05/2022  
المزيد
الإتحاد
«عسكرة» التفاعلات الدولية
31/05/2022  
ليبيا: خطوة للأمام أم حلقة مفرغة؟
24/05/2022  
المزيد
الشروق
«أقراص الطعمية» فى علاقات مصر القطرية
25/04/2013  
العلاقات المصرية بحماس
18/04/2013  
المزيد
جميع الحقوق محفوظة © د. أحمد يوسف أحمد