أكد شارل ميشيل رئيس المجلس الأوروبي أن الاتحاد الأوروبي مستعد لفرض عقوبات على تركيا لأنها لم تخفض التصعيد في أزمتها مع اليونان، وأن لعبة «القط والفأر» بين الاتحاد وأنقرة يجب أن تنتهي، في إشارة لسحب تركيا مجدداً سفينة تنقيب من مياه متنازع عليها قبيل قمة الاتحاد الأوروبي المقرر عقدها هذا الأسبوع، والتي تناقش ضمن أعمالها فرض عقوبات على أنقرة. وكانت تركيا قد فعلت الشيء ذاته قبل قمة أكتوبر فيما اعتبره المراقبون مناورةً لتفادي العقوبات، لذلك اكتفى زعماء الاتحاد في تلك القمة بإدانة استفزازات تركيا، غير أنهم اتفقوا على إمهالها حتى القمة التالية في أوائل ديسمبر الجاري، قبل النظر في فرض عقوبات اقتصادية مؤثرة عليها، لاسيما أن ألمانيا تود منح فرصة للحوار بسبب العلاقات التجارية الوثيقة بين تركيا والاتحاد. والواقع أن سجل الاستفزازات التركية للاتحاد حافل على نحو يُظهر ضعف ردود الفعل الأوروبية التي يمكن تبريرها من ناحية بالمصالح الاقتصادية بين الطرفين، ومن ناحية أخرى بالانقسامات داخل الاتحاد حول مسألة التصدي للسياسات الاستفزازية التركية بين من يرى ضرورة الحزم معها، كفرنسا، ومن يفضل إعطاء الفرصة كاملة للحلول التوفيقية كألمانيا.
وفي البدء كانت السياسات التركية تلحق الضرر بالمصالح الأوروبية على نحو غير مباشر، كما هو تدخلها المزعزِع للاستقرار في ليبيا والتي تعتبر فضلاً عن ثروتها النفطية مصدراً رئيسياً للهجرة غير الشرعية نحو أوروبا طالما ظل عدم الاستقرار سائداً فيها. ثم بدأت هذه السياسات تلحق الضرر المباشر بعضوين من أعضاء الاتحاد هما اليونان وقبرص، بالتنقيب غير المشروع عن الثروات الطبيعية في مياه أقل ما توصف به أنها متنازع عليها. ولا ننسى أن تركيا احتلت منذ 1974 شمال قبرص الدولة العضو في الاتحاد الأوروبي، وأقامت فيه دولة لم يعترف بها أحد حتى الآن سوى تركيا نفسها، وهي تتخذ هذا الوضع ذريعة للتنقيب في المياه القبرصية التي تعتبرها تابعة لجمهورية شمال قبرص التركية. بل زاد أردوغان استفزازه للاتحاد الأوروبي بعد قمة أكتوبر الماضي بزيارته لهذه الجمهورية، وحديثه عن «حل الدولتين» للمشكلة القبرصية في تناقض صريح مع القرارات الدولية، وإثبات جديد للمعايير المزدوجة لسياسته بتأييده أذربيجان في صدامها الأخير مع أرمينيا، بحجة التبعية القانونية لإقليم ناجورنو كاراباخ لأذربيجان، فيما يعصف بالسلامة الإقليمية لقبرص العضو في الأمم المتحدة، ناهيك بتوظيف تركيا المستفز لورقة اللاجئين السوريين وتهديدها الفج بإطلاقهم باتجاه أوروبا كلما حدثت أزمة في العلاقات. وكذلك بإدانتها الصريحة بالعبث بأمن دول أوروبية أخرى كالنمسا، عن طريق مواطنيها من أصول تركية.
ويمثل كل ما سبق تحدياً حقيقياً للاتحاد الأوروبي يُضاف إلى التحديات الداخلية التي يواجهها، فها هي تركيا تضرب مصالحه على نحو غير مباشر، ثم مباشر في صورة الانتهاك الجسيم لسيادة دولتين من أعضائه، دون أن يكون هناك اتفاق حتى الآن على رد أوروبي فاعل. ومن الأمور التي ينبغي أن يتوقف الاتحاد عندها أن أصدقاء اليونان وقبرص من الدول العربية التي تتصدى للعدوانية التركية يُظهرون مساندةً أوضح وأقوى من عديد من الدول أعضاء الاتحاد. كذلك فإن الاتحاد الأوروبي، خاصة في ضوء ردود أفعاله الضعيفة على استخفاف النظام التركي بأعضائه، لم يفكر حتى في بذل ضغوط دبلوماسية فاعلة لوضع تركيا في مسار قانوني لتسوية نزاعها مع اليونان وقبرص لن تكون نتيجته بالتأكيد في مصلحتها. وهكذا، فإن القمة الأوروبية الحالية تواجه بحق اختباراً حقيقياً يتعلق بوزنها وفاعليتها كقوة دولية كبرى.